د. علي موسى الموسوي يكتب: حقوق الإنسان وتحديات وباء التوحش
الحديث عن مفهوم حقوق الإنسان، هو حديث عن مفهوم وحّد الثقافات والأمم، وتوحدت عنده الديانات والمعتقدات. فالحقوق واحدة، وتستهدف الحفاظ على إنسانية الإنسان، وأيضا تنظيم المجتمعات الإنسانية. ومن ثم فمقولة "حقوق الإنسان"، ليست مقولة مجردة، بل ضرورة وجودية لتنظيم علاقات المجتمع والأمم، وقبل هذا وذاك صون قيمة الإنسان.
لكن وللأسف الشديد والعالم يناهض لأجل الرقي بحقوق الإنسان، سيجابه بأزمة "كوفيد". ولأن الحقوق في كل عمل إنساني، تؤخذ بالمعنى المعياري، حيث نتجاوز منطق: حقوق/واجبات، إلى سيادة قيم الترابط والتضامن الإنسانيين. فإنه يمكننا القول، إن المجتمع الدولي، مر بأزمة قيمية لربما هي الأعنف في تاريخ البشرية.
لقد تبدى جليا انهيار القيم الإنسانية، بما فيها انهيار قيمة التضامن، لتسقط الشعارات أمام أزمة "كورونا".
قوضت هذه الأزمة التلاحم الدولي، فكنا أمام عنصرية جديدة، لم يكن قوامها اللون أو العرق، بل التمييز الاقتصادي، الذي جعل دولًا تنشد الخلاص الفردي، بعيدًا عن كل المبادئ القيمية.
لقد كان التهافت الصارخ لإنقاذ ما يوجد داخل حدود الدولة الواحدة- اللهم بعض المبادرات وكانت محتشمة- دون الالتفات إلى احتياجات باقي الدول. خاصة أن الأمر يتعلق بإنقاذ الإنسان، أشد أنواع العنف إيلاما.
كشف الوباء عن أزمة القيم التي يعيشها المجتمع الدولي.
لقد كنا أمام نوع جديد من التنافسية الدولية، بسبب حرب اللقاحات. فقد تفوقت الذاتية، على منطق التضامن، وتلاشت أسطورة الكرامة الإنسانية، التي طالما ادعت الدول- خاصة العظمى منها- أنها الحامية والراعية لها. لأنه ومع توفر هذا الكم من الإمكانات، يكون من المخجل أن نفاضل بين الشعوب على أساس التفوق الاقتصادي. لتصبح قيمة الإنسان مشروطة بانتمائه إلى قوة اقتصادية ما.
لقد ارتبط مفهوما الحقوق والديمقراطية بحماية التجمعات البشرية، وصون الكرامة الإنسانية، لتنصب الجهود فيما بعد على حماية الحقوق والقيم النبيلة التي من شأنها خلق مجتمعات إنسانية متماسكة ومنسجمة. لكن وللأسف الشديد حضر التنظيم المدني وغابت الفضائل المدنية، حيث التعاون والتكافل، وما يسمى دوليا في علم الأخلاق "الاعتماد التبادلي والعلاقات الاعتنائية". ليعود من جديد الجدل القديم- الجديد حول السلام الديمقراطي، بعد فشل الدول خاصة العظمى، في تدبير الجاىحة. فالعالم عاش حربًا حقيقية بسبب التسابق نحو امتلاك "اللقاح".
حطم "زمن كورونا"، النظرية التفاؤلية القائمة على: "شيفرة السلام" أو العهد العالمي. لنكون أمام "شيفرة الحرب"، إن جاز القول. فكل المؤشرات والإجراءات نحت في اتجاه حرب، البقاء فيها سيكون لمالك اللقاح. ولئن استطاعت هذه الأزمة أن توحد العالم، على اعتبار أنها لم تستثن دولا دون أخرى، إلا أنها أبانت عن فروقات كبيرة بين الدول التي غاب لديها منطق التعاون والتضامن، وحضر هاجس إنقاذ الاقتصاد وإنقاذ المواطن داخل حدودها.
لقد كشفت الأزمة عن غياب ما يعرف بالعدل الدولي، عندما تهيأت الظروف لدول دون أخرى. لهذا نأمل أن نرى مستقبلا عالما أكثر تضامنا وأكثر إيمانا بإنسانية الإنسان. وهي رسالة لمن يهمه الأمر وللقيمين على الشأن الدولي، وأيضا لهذه المبادرات الجمعوية الحقوقية لأجل النهوض بالإنسان.